الأساس الإباحة||
والآن ماذا تقول الآية الكريمة .. التي تبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة؟
الله سبحانه وتعالى يقول:
[{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .. "3"} (سورة النساء)]
وهنا نجد سؤالاً يقفز إلى الذهن .. هل الأصل في التعدد الوجوب أم الإباحة؟
بمعنى .. هل الإسلام يوجب أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة؟ .. أم أنه يبيح له ذلك فقط؟
طبعاً الأصل في التشريع هو الإباحة وليس الوجوب .. أي أن الإسلام لا يوجب على الرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، ولكنه يبيح له ذلك، إذا رأى أن حياته محتاجة إلى ذلك. وفرق كبير بين الوجوب والإباحة.
إن الإسلام لا يفرض تعدد الزوجات .. أي لا يفرض على الرجال أن يتزوج أكثر من امرأة .. ولكنه يسمح له بذلك.
وإذا رجعنا إلى المنطق .. نجده يقول: لا تعدد لشيء على شيء إلا بفائض. فإذا دخلنا حجرة مثلا .. ونحن خمسة أشخاص ووجدنا فيها خمسة مقاعد، كل منا سيجلس على مقعد، فإذا وجدنا فيها عشرة مقاعد، جلس كل منا على مقعد، وأخذ مقعدا يسند عليه أو يريح قدميه فوقه، أو يضع يديه عليه.
إذن: لا تعدد إلا إذا كان هناك زيادة في العدد .. والمقصود بتعدد الزوجات ألا تبقى امرأة في المجتمع بلا زوج؛ حتى لا تحدث انحرافات وينتشر الحرام.
هذه الزوجة ـ أي الزوجة الثانية ـ لا يمكن أن تقبل مثل هذا الزوج إلا لأنها لم تجد فرصة إلا أن تكون زوجة ثانية. فإذا كان هناك في المجتمع من يقول لها: لا تقبلي هذا الزوج .. نقول له: يسر لها أن تكون زوجة أولى، ولكنها اختارت أحسن الفرص بالنسبة لها، وقبلت أن تكون زوجة ثانية، إنها امرأة رأت من الخير أن تكون زوجة ثانية، أفضل من أن تبقى بلا زواج. فما تدخل المجتمع في هذا؟!
نقطة ثانية بالنسبة للزوجة الأولى .. لقد رأت أنه من الأفضل لها، أن تبقى مع زوجها عن أن يطلقها. فهل من الخير أن تبقى في بيتها مصونة مكرمة؟ أو أن تفقد زوجها وتعيش بلا زوج!
إن التعدد في كثير من الأحيان يكون حافظاً للزوجة الأولى وحافظاً للزوجة الثانية. فلماذا لم تشترط ساعة زواجها ألا يتزوج زوجها بامرأة أخرى؟ إن من حقها أن تشترط في عقد الزواج ما تشاء، ومع ذلك لم نسمع عن امرأة واحدة اشترطت ذلك.
إننا إذا أخذنا إحصائيات الحياة .. ثم فرضنا أن عدد الإناث وعدد الذكور متساويان، فإن أحداث الحياة تأخذ من الرجال أكثر مما تأخذ من النساء. فالمعارك والحروب يتحملها الرجال .. وحياة الرجل وسعيه للرزق يجعله يتعرض لمخاطر أكثر من المرأة.
ولو تساوى عدد الرجال والنساء، ثم تعرض الرجال لمخاطر الحروب للعجز أو للموت .. فأين تذهب الباقيات؟ .. ماذا يفعلن؟ .. إلا إذا أردنا أن يكون المجتمع مجتمعاً منحلاً.
وإذا أخذنا كل الأجناس التي فيها تكاثر، نجد عادة أن الذكور أقل من الإناث .. إذا قمنا بتفريخ مائة بيضة، تجد أن عدد الديوك أقل بكثير من عدد الفراخ. لماذا؟ .. لأن الفراخ هي التي تعطينا البيض الذي نحتاجه للإنتاج الجديد وللطعام.
وإذا غرسنا مائة نخلة .. كم نخلة ذكراً؟ .. وكم نخلة أنثى؟ .. طبعاً عدد النخيل الأنثى أكثر .. لماذا؟ .. لأنه هو الذي يعطينا الثمر .. يعطينا البلح .. ويعطينا البذور لإنتاج نخيل جديد.
وهكذا الأنثى في كل الأنواع، هي التي تعطي، والذكر مهمته التخصيب، وذكر واحد في أي نوع يمكن أن يقوم بعملية التخصيب هذه بالنسبة لعدد من الإناث.
ثم يأتي سؤال هام، للذين يشكون من تعدد الزوجات في الإسلام. هل ألزمنا الله سبحانه وتعالى أن نعدد زوجاتنا، وأن نتزوج أكثر من امرأة؟ ..
الله سبحانه لم يلزمنا بذلك .. لقد أباح سبحانه وتعالى لنا التعدد فقط، ولنا أن نأخذ بالمباح أو لا نأخذ .. فلا إثم علينا إذا لم نأخذ.
والخطأ في الضجة الحادثة حول إباحة التعدد ليس على النساء، ولكن على الرجال. إنهم هم الذين قاموا بهذه الضجة، ولم يأخذوا مع إباحة الله للتعدد حتميته في العدالة، ولو أخذوا حتمية العدالة، ولم تتأثر الزوجة الأولى في معيشتها وحياتها وأولادها .. ما كانت هناك مشكلة.
إن الذي يسمع هذه الضجة .. يعتقد أن مسألة تعدد الزوجات في المجتمع الإسلامي مسألة وبائية، وأن 80% أو 90% من الرجال المسلمين متزوجون بأكثر من زوجة.
ولكن الإحصاءات تقول: أن المتزوجين من اثنين لا تزيد نسبتهم على 3% .. أتعتبر هذه مشكلة: أن يكون بين كل مائة رجل ثلاثة فقط متزوجون بزوجة ثانية؟
هؤلاء الثلاثة ـ من كل مائة ـ ألا يمكن أن تكون عندهم مشاكل أدت إلى الزوجة الثانية .. مثلا، رجل زوجته مريضة .. هل من الأفضل له ا يتزوج امرأة ثانية أو أن يزني مع أي امرأة؟
والزوجة المريضة .. هل من الأفضل لها أن يتركها زوجها تماماً وقد لا يكون لها أحد يرعاها .. أم يبقى ليرعاها ويقوم على شئونها؟!
الإحصاءات تقول: إن الذين يتزوجون ثلاث زوجات هم رجل واحد بين كل ألف رجل، وأن الذي يتزوج أربع زوجات، هو رجل واحد بين كل خمسة آلاف رجل، فهل تعتبر هذه مشكلة ـ مع هذا العدد بالغ القلة ـ تواجهها المجتمعات الإسلامية؟!
وهل تستحق هذه الضجة بما يصاحبها من تهويل، وتصوير أن كل رجل مسلم متزوج من أربع زوجات .. وهو تصوير خاطئ وكاذب عن عمد وافتراء .. هدفه تصوير المجتمع الإسلامي على غير حقيقته.
لقد دخلت البشرية تجربتها مع الزواج الأبدي أو الكاثوليكي الذي لا طلاق فيه .. تجربة خاضها البشر .. ووضعوا فيها مقاييسهم وأحكامهم، فهل نجحت؟ .. أم أن الكنيسة الكاثوليكية التي كان يملؤها التعصب لمبدئها، وتفاخر به بين الناس هي التي اضطرت لا عن إيمان ولا عن دين، ولكن عن واقع دنيوي، ومشاكل ملأت المجتمع بلا حلول.
لقد اضطرت أن تبيح الطلاق، لأنها وجدت في واقع تجربة الحياة المريرة التي نشأت في ظل هذا النظام، أن المجتمع لا يمكن أن يستقيم، وأن المشاكل قد ملأته وفاض بها، وأنه لا يوجد طريق أمامها باستمرار هذه الأبدية، ولهذا أباحت الطلاق، وعندما أباحته لم تبحه اعترافاً بالإسلام، ولا أخذاً بتعاليمه وأحكامه ومبادئه .. ولكن من واقع قانون التجربة والخطأ.
|نظرة الإسلام إلى التعدد||
الأسرة قد تتعرض لمشكلات تهدد كيانها وتعرضها للدمار والفساد، وهذه المشكلات لا يمكن علاجها إلا من طريق إباحة التعدد منها:
1. زيادة عدد الإناث عن عدد الذكور.
2. قوة الدوافع الجنسية عند الرجال، وبرودته عند بعض النساء.
3. مرض الزوجة بمرض مزمن أو إصابتها بعقم.
4. نقص عدد الرجال بسبب الحروب.
لهذا جاءت شريعة الإسلام لتحول بين وقوع الإنسان في الحرج، فأباحت له الزواج بأخرى، حتى لا يقع فريسة للصراع النفسي، الذي قد يقوده إلى السقوط والوقوع في الحرام. لهذا يقول الحق:
[{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .. "3"} (سورة النساء)]
فالعدل المطلوب هو العدل فيما يملكه الإنسان من الحقوق والواجبات، وهو أمر في استطاعة البشر، والقرآن الكريم هو الذي عقب على قضية العدل المراد بالنصيحة للإنسانية بعد أن ذكر أنهم لن يستطيعوا العدل ولو حرصوا. فأبان أن العدل المطلوب هو عدم الميل المتعمد، فقال تعالى:
[{فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ .. "129"} (سورة النساء)]
أما العدل القلبي فلا يملكه أحد؛ لذلك اشترط الإسلام لإباحة التعدد عدم الخوف من الظلم فيه، فكان الناس قديماً يعددون بلا حدود ولا ضوابط، مما جعل الضرر والحيف على المرأة أشد، فجعل للتعدد أحكاماً وآداباً ومبررات وأخلاقاً حفاظاً على كرامة المرأة، وحسن رعايتها وسلامة الأسرة من الانحدار في الهاوية.
ولكن دعاة التحلل تنقصهم أمانة العرض لجهلهم بحقائق الأشياء، ولو قرأوا الحقيقة من مصادرها الأصلية: القرآن والسنة وتعايشوا معهما لعلموا أن الإسلام كرم المرأة تكريماً لم تره في ماضي التاريخ وحاضره.
هؤلاء المتحللون الهدامون لأمتنا الذين يستمدون أفكار مستوردة.
لو اطلعوا على مجريات الأحداث التاريخية لعرفوا أن القيم الإسلامية وضعت كل إنسان في مكانه اللائق فالمرأة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م) طالبت بتعدد الزوجات، وفي أعقاب المؤتمر الذي انعقد بألمانيا سنة 1948 أوصى بإباحة تعدد الزوجات بألمانيا لمشكلة تكاثر النساء.
ومن العجيب أن فوضى غيرنا فضيلة، وفسق غيرنا شرف، والإباحة حرية، هذا أمر عجيب، وليقرأ المتحللون ما كتبته كاتبة إنجليزية.
قالت: "لقد كثرت الشاردات في بناتنا، وعم البلاء الدواء وإني كامرأة، انظر إليهن وقلبي ينفطر حسرة، وإن الدواء الشافي لذلك: أن يباح للرجل الزواج بأكثر من واحدة، فبذلك تصبح بناتنا ربات بيوت، وإن إرغام الرجل على الاكتفاء بواحدة جعل بناتنا شوارد، وسوف يتفاقم الشر إن لم يبح تعدد الزوجات" عن جريدة "لندن تريبون" في 10/8/1949 فهل من مدكر؟