القرآن والعلم
لفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى
بعض الحقائق العلمية التي مسها القرآن الكريم :
الحقيقه
الأولى : كروية الأرض .. وأعتقد أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم
يكن أحد من البشر يعرف شيئا عن كروية الأرض ..أو لم يكن ذلك قد وصل إلى
علم أحد ..وهنا يأتي القرآن ويقول ((والأرض مددناها)) ويلاحظ دقة تعبير
القرآن في ألفاظه .. لقد اختار اللفظ الوحيد المناسب للعصر الذي نزل فيه
والعصور القادمة فكلمة مددناها تعطي المعنى للاثنين معا .. عندما يقول
والأرض مددناها أي بسطناها ..لا تنشأ مشكلة لأن الأرض تظهر أمام الناس
منبسطة في ذلك الوقت .. فإذا مر الزمن وثبت أن الأرض كروية .. نجد هذا
اللفظ هو المناسب تماما الذي يصف لنا بدقة كروية الأرض.
ثم نتأمل
قول الله تعالى ((يكور الليل على النهار)) لماذا استخدم الله سبحانه
وتعالى كلمة يكور ؟وكلام القرآن الصادر عن الله دقيق في تعبيره دقة
متناهية .. لماذا استخدم الله لفظ يكور .. ولم يقل يبسط الليل والنهار ..
مادامت الأرض منبسطة .. أو يغير الليل والنهار .. أو أي لفظ آخر ؟ إنك لو
جئت بشيء ولففته حول كرة .. فتقول إنك كورت هذا القماش مثلا .. أي جعلته
يأخذ شكل الكرة الملفوف حولها .. وإذا أردت من إنسان أن يصنع لك شيئا على
شكل كرة ..فتقول له خذ هذا وكوره .. أي اصنعه على شكل كرة .. ومعنى قول
الله تعالى يكور الليل على النهار .. أي يجعلهما يحيطان بالكرة الأرضية
..ومن إعجاز القرآن إن الليل والنهار مكوران حول الكرة الأرضية في كل وقت
..أي إن الله لم يقل يكور الليل ثم يكور النهار .. ولكنه قال يكور الليل
على النهار واستخدام كلمة ((على)) هنا تستحق وقفة .. لتتصور مدى انطباقها
على كروية الأرض .. يكور الليل على النهار ومعناه أنهما موجودان في نفس
الوقت حول الكرة الأرضية وهذا ما نبأ به القرآن منذ أربعة عشرة قرنا ولم
يصل إلى علم البشر إلا في الفترة الأخيرة .
وقضية كروية الأرض مسها القرآن الكريم في أكثر من مكان .. لماذا؟ لأنها حقيقة كونية كبرى ..
2ـ
الحقيقة الثانية: إن الليل والنهار موجودان في وقت واحد على سطح الكرة
الأرضية .. ثم نتأمل بعد ذلك قوله سبحانه وتعالى ((ولا الليل سابق
النهار)) ما معنى الآية الكريمة ولا الليل سابق النهار .. معناه أنه يرد
عليهم في قضية في عصرهم ليصححها لهم ..فهم يقولون إن النهار يسبق الليل ..
يبدأ اليوم بشروق الشمس وينتهي بغروبها ، ثم يأتي بعد ذلك الليل ، أي أن
النهار يسبق الليل .. فيأتي الله سبحانه وتعالى ويقول (( ولا الليل سابق
النهار )) ..ومن هنا فإنه يرد على قولهم بأن النهار يسبق الليل قائلا
لا..لا النهار يسبق الليل ولا الليل يسبق النهار .. وهذا إعلان لهم بأن
الأرض كروية . وأن الليل والنهار موجودان في وقت واحد على سطحها .. فلو أن
الأرض مبسوطة فإن الأمر لايخرج على حالتين .. الحالة الأولى .. أن الله قد
خلق الشمس مواجهة للأرض المسطحة .. وفي هذه الحالة يكون النهار موجودا
أولا .. ثم يغيب الله الشمس فيأتي الليل ثانيا .. أو أنه خلق الشمس غير
مواجهة لسطح الأرض .. وفي هذه الحالة يكون الليل موجودا أولا .. ثم تطلع
الشمس على السطح فيأتي النهار .. لايخرج الأمر عن هذين الشيئين فعندما
يأتي الله ويقول ((ولا الليل سابق النهار ))أي أنه ينفي كلية أن النهار
يسبق الليل.. أو أن الليل يسبق النهار.. حيث أنهما لايسبق أحدهما ألآخر
منذ متى؟ منذ بداية خلق الأرض .. أو منذ خلق الله الأرض ..ولا يأتي هذا في
عالم الأحجام أبدا إلا إذا كانت الأرض مكورة .. فحين خلق الله الشمس
والأرض أوجد الليل والنهار معا .. فنصف الأرض المواجهة للشمس صار نهارا
..والنصف الآخر صار ليلا .. ثم دارت الأرض .. فأصبح الليل نهارا ..
والنهار ليلا وهكذا .إذن فالآية الكريمة ولا الليل سابق النهار تعطيني أن
الأرض مخلوقة على هذه الصورة الكروية .
3ـ الحقيقة الثالثة:دوران الأرض:
نأتي
بعد ذلك إلى قضية أخرى .. وهي دوران الأرض .. هل يستطيع أحد أن يحكم على
مكان هو جالس فيه.. والمكان كله يتحرك بما هو فيه ..إنك لاتستطيع أن تدرك
أنه متحرك .. لماذا ؟..لأنك لاتعرف حركة المتحرك إلا إذا قسته مع شيء ثابت
ولاشيء ثابت لأن الأرض كلها تدور .. والمواقع فوق سطحها ثابتة .. لأننا
مثلا عندما نجلس في حجرة مغلقة تماما وهي تدور بنا جميعا وموقعنا عليها
ثابت لا يتغير .. لانحس بدوران هذه الحجرة إلا إذا فتحنا نافذة مثلا ..
ونقيس حركة الحجرة على شيء ثابت كعمود مثلا أو شجرة..
ومن هنا لا
نستطيع أن نعرف حركة المتحرك إلا إذا قسناه إلى شيء ثابت .. ومن يستطيع أن
يقيس الأرض كلها إلى شيء ثابت ليعرف حركتها .. لا أحد يستطيع .. ما دمت
أنا لا أدرك الحركة..
4ـ الحقيقة الرابعة: إن حركة الجبال ليست ذاتية بل تتبع حركة الأرض:
يأتي
الله سبحانه وتعالى ليقول لي وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب
تحسبها معناه كأن ذلك حسبان وليس حقيقة .. لأن هذه الجبال التي تراها
أمامك جامدة ثابتة لا تتحرك هي ليست كذلك .. فإن الله يريد أن يقول لنا إن
هذه الجبال الراسخة أوتاد الأرض التي تبدو أمامك جامدة ثابتة صلبة لا
تسطيع أن تفتتها أنت ولا تزيلها .. هذه الجبال الرهيبة تمر أمامك مر
السحاب وأنت لاتدري .. ثم عندما تتعجب وتقول وأنت تسمع هذه الآية كيف تمر
هذه الجبال مر السحاب .. وهي ثابتة أمامي هكذا لا تتحرك من مكانها؟. يقول
لك الله سبحانه وتعالى .. لاتتعجب.. صنع الله الذي أتقن كل شيء .. فإن قال
قائل إن هذا يحدث في الآخرة .. فإننا نقول له إن الأرض لن تكون نفس الأرض
.. وإن الجبال ستمور .. مصداقا لقوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض .
إلى آخر الآية الكريمة.. ثم هل يكون في الآخرة حسبان .؟ أبدا .. الآخرة
نرى فيها الحقائق ..نرى فيها كل شيء عين اليقين .. ونعرف كل شيء على
حقيقته ..الجنة والنار . والثواب والحساب وكل شيء .. إذن فقول الله سبحانه
وتعالى ((تحسبها جامدة )).. معناه إنك وأنت أمام هذه الجبال واهم .. لأنك
تظن أنها جامدة وهي تمر مر السحاب .
ثم يأتي بعد ذلك استخدام الله سبحانه وتعالى كلمة مر السحاب .. وكما قلت إن اختيار الألفاظ في القرآن دقيق جدا.
مر
السحاب .لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى مثلا مر الرياح..أو مر العواصف
.. أو مر الأمواج .. أو أي لفظ آخر ؟ لأن السحاب لا يتحرك بنفسه .. بل
تدفعه قوة أخرى هي قوة الريح فحين يتحرك السحاب من مكان إلى مكان آخر ..
لا ينطلق بذاته ويمضي .. بل تأتي الرياح وتحمله من المكان الذي هو فيه إلى
مكان آخر وهكذا .. فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا انتبهوا ..إن
حركة الجبال ليست حركه ذاتية كحركة الأرض .. وليست حركة ذاتية كحركة
الرياح .. فهي لا تتحرك بذاتها .. أي لا تنتقل من مكانها على الأرض إلى
مكان آخر على سطح الأرض ..لا.. إن مكانها ثابت .. و لكنها تمر أمامك مر
السحاب .. أي تتحرك بحركة الأرض .. تماما كما تحرك الرياح السحاب .. و إلا
فلماذا لم يقل الله .. وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تسير .. أو هي تجري
.. أو وهي تتحرك .. أو وهي تمر من مكان إلى آخر .. أبدا .. استبعد كل
الألفاظ التي تعطي الجبال ذاتية الحركة ..أي أن الذي يتحرك ذاتيا هي الأرض
.. والجبال تتبع هذه الحركة وهي تمر أمامك مر السحاب الذي لا يملك ذاتية
الحركة .. أترى دقة التعبير .. ودقة التصوير لدوران الأرض في القرآن ؟. هل
كان من الممكن أن يقول محمد هذا الكلام .. أو يصل إلى هذا العلم ؟. ألا
يعتبر هذا إعجازا حين يقول العلماء إن الأرض تدور حول نفسها فنقول لهم هذه
الحقيقة مسها القرآن .. بل وأعطى تفصيلا فيها ؟. إن كل شيء على الأرض يتبع
الأرض في حركتها الذاتية بما في ذلك الجبال الشاهقة الضخمة .. ذلك في
الدنيا طبعا .. لأن في الآخرة ينسف الله الجبال نسفا.. ولا يكون هناك
حسبان .. ولكن يكون هناك يقين..